الترويع والتخويف يصنف في الشريعة الإسلامية على أنه عمل مدان.

خلصت دراسة حديثة صادرة عن لسان هيئة كبار العلماء نشرت في مجلة البحوث الإسلامية، إلى أن الترويع والتخويف الذي اعتاد أفراد من المجتمع استخدامه يصنف في الشريعة الإسلامية على أنه عمل مدان.

ووثّق أستاذ الفقه المشارك في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور عبد الله السلطان اتفاق جمهور الفقهاء على إمكان وقوع الجنابة بالترويع، إن أدى ذلك إلى وقوع ضرر بإيجاب القصاص أو الدية، ووجوب الدية المغلظة متى ما تحقق ذلك، ووجوب الدية على من أفزع غيره، وأدى ذلك إلى زوال عقله أو شيء من منافعه، كزوال منفعة البصر، ووجوب ثلث الدية على من أفزع غيره فأحدث بغائط أو بول أو ريح. وإذا أدى إفزاع الحامل إلى إسقاط جنينها فتجب الدية على المتسبب في ذلك.

وأوضح السلطان في بحثه بعنوان: «الجناية بالترويع في الفقه الإسلامي» الذي نشرته مجلة البحوث الإسلامية الفصلية ضمن عددها الـ102، أن الشريعة الإسلامية أقرت مبدأ المسؤولية الجنائية بالتعدي على الغير، سواء أكان التعدي بأسباب حسية أم معنوية، ومنها الجناية بالترويع، والتي تعرف في الوقت الحاضر بالمسؤولية عن الصدمة العصبية (Nervous Shock) التي أقرتها القوانين الوضعية الحديثة، كأحد موجبات المسؤولية.

وتناول الباحث مفهوم الجناية بالترويع ومشروعيتها، ومذاهب الفقهاء في ذلك، وأركانها وعقوبتها الموجبة للقصاص والدية.

وعرف الترويع بأنه «انقباض يعترى الإنسان من الشيء المخيف». وأشار إلى أن الجناية بالترويع من الوسائل المعنوية التي تدرك بالحواس الخمس، والتي هي في مقابلة الجناية بالوسائل الحسية أو المادية، وأنها تتميز بأنها تعتمد على وسائل ذات جانب خفي، لكونها لا تقدم أثراً ملموساً يربط الجاني بجنايته. كمن يعرف أن خصمه ضعيف القلب أو جبان يفزع من كل حركة غير مألوفة، ثم يعمد إلى قتله عن طريق ترويعه بإصدار أصوات مهولة تؤدي إلى إفزاعه وموته في الحال.

ولفت إلى أن الفقهاء حاولوا تصنيف تلك الوسائل إلى قسمين، «وسائل مؤثرة مثل الصياح الشديد المفاجئ أو إشهار السيف أو إدناء حية، فيذعر المجني عليه، ما يؤدي إلى هلاكه أو زوال منفعة من منافعه، وهذه الوسائل يصح نسبة التلف بالترويع إليها.

وهناك وسائل ترويع نادر وقوع الهلاك بالترويع بها، كالإخبار بمصيبة تحزن، أو بمسرة تفرح، فيزول بها عقله، فهذه لا يصح نسبة الترويع إليها، وما وقع إنما هو فعل صادر من المجني عليه. وهناك ترويع صوتي صادر من لسان الجاني، وترويع فعلي صادر من جوارح الإنسان غير اللسان، كالإشارة إلى المجني عليه بالسيف».

وأورد الباحث أدلة من الأحاديث الشريفة تتضمن النهي الشديد عن ترويع المسلم للمسلم وتخويفه، أو التعرض له بما يؤذيه بأي وسيلة كانت، أدت إلى القطع بحرمة ترويع المعصوم، سواء أكان ذلك على سبيل الجد أم الهزل، لأن ذلك ذريعة إلى ارتكاب الجناية على النفس أو ما دونها، ومن ثم تجريم من يقوم بارتكاب معصية الترويع، وإيقاع العقوبة المناسبة عليه إذا أدت هذه الجريمة إلى وقوع ضرر في المعصوم.

وأشار الباحث إلى اتفاق جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة على إمكاني وقوع الجناية بالترويع، وعلى تجريم التعدي بها وتحميل المروع مسؤولية فعله إن أدى ذلك إلى وقوع ضرر بإيجاب القصاص والدية.

القصاص من المروع

حدد الباحث ثلاثة أركان للجناية بالترويع، تشمل محل الجناية (المجني عليه)، وأن يكون القتل نتيجة لفعل الجاني، وأن يقصد الجاني إحداث الوفاة. مشيراً إلى أن الفقهاء أناطوا حكم الجناية بالترويع إلى أسباب ووسائل ظاهرية، للتفريق بين الترويع المؤثر في المجني عليه وغير المؤثر، وذلك بالنظر إلى حال المجني عليه وحال الترويع، وأوضح الباحث أن عقوبة الجناية بالترويع تنقسم إلى ثلاثة أقسام، عقوبة أصلية، وهي القصاص إذا أدت الجناية إلى زهوق النفس المعصومة، وعقوبة بديلة مثل طلب الدية عند العفو عن القصاص، وعقوبة تبعية مثل الحرمان من الميراث في شأن القاتل لمورثه. لافتاً إلى أن الجناية على النفس تشمل الجناية على الصبي غير المميز، مثل من صاح صيحة منكرة على صبي على طرف سطح أو نهر أو بئر فأدى إلى سقوطه وهلاكه، اتفق العلماء على ضمان ديته. والجناية على البالغ مثل من أشهر سلاحاً فمات من ذلك، فيجب الضمان به. وجناية الفزعان على نفسه أو على غيره، مثل من يفزع شخصاً يقود مركبة فيفقد توازنه وينقلب، أو يرتطم بأخرى، ما يؤدى إلى هلاك السائق أو هلاك غيره.

وبيّن أن الجناية على من دون النفس، مثل الجناية على عقل الإنسان ومنافعه، التي تكون واقعة على صبي لا يميز أو على بالغ، وتسبب ذلك في زوال عقله، وبالنسبة للصبي، فإن العلماء يقرون بوقوع الدية للمجني عليه، واختلفوا في زوال عقل البالغ. ولكن الباحث يرجح وجوب الدية للمجني عليه.

ثلث الدية في هذه الحالة!

أشار الباحث إلى أن الفقهاء اختلفوا في حكم جناية استطلاق الغائط أو البول أو الريح غير الدائم، ووجوب الدية على من أفزع غيره فأحدث، فمنهم من قال عليه ثلث الدية، ومنهم من قال لا شيء عليه، ورجّح الباحث وجوب ثلث الدية لقوة الأدلة.

وتناول الباحث الجناية على الجنين والحامل، مشيراً إلى أن الفقهاء اختلفوا على قولين، أن المتسبب يتحمل دية الجنين، واستدلوا بقول الحسن البصري واتفاق الصحابة عليهم رضوان الله، وذهب الظاهرية إلى أن المتسبب لا يتحمل دية الجنين، ورجح الباحث الرأي الأول لقوة الأدلة.

أما الجناية على الحامل، فإذا فزعت الحامل وماتت بالإجهاض فإن ديتها مضمونة عند المالكية والشافعية والحنابلة، لأن الإجهاض ربما يحصل منه موت الأم، أما إذا ماتت بسبب الفزع فقد اختلف الفقهاء على قولين، أن المتسبب يتحمل دية الحامل، والقول الثاني لا يتحمل الدية. ورجح الباحث القول الأول القاضي بوجوب الدية بشرط التحقق من أن الهلاك كان بسبب الترويع. وإلا فالأصل براءة الذمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

كن مراسلاً، أرسل خبرك هنا